كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال ابن الملك: إنما بكى موسى إشفاقًا على أمته حيث قصر عددها عن عدد أمة محمد لا حسدًا عليه لأنه لا يليق به وأما قوله أن غلامًا بعث بعدي فلم يكن على سبيل التحقير بل على معنى تعظيم المنةتعالى لأن محمدًا مع كونه غير طويل العمر في عبادة ربه خصه بهذه الفضيلة.
يقول الفقير: بكاء موسى عليه السلام هو المناسب لمقامه لأنه كان له غيرة غالبة ولذا لما مر عليه السلام عليه وهو يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر سمع منه وهو يقول برفع صوته أكرمته فضلته يخاطب ربه وعاتبه ادلالًا وهو لا يستلزم الحسد والتحقير لأن كمل أفراد الأمة مطهرون عن مثل هذا فكيف الأنبياء خصوصًا أولوا العزم منهم ومن البين أن أهل الجنة يرضون بما أوتوا من الدرجات على حسب استعداداتهم فلا يتمنى بعضهم مقام بعض لكونه خارجًا عن الحكمة فكذا الأنبياء الأولياء في مقاماتهم المعنوية وإلا لما استراحوا وهو مخل برتبتهم.
قال في المناسبات: ولقاؤه في السماء السادسة لموسى عليه السلام يوذن بحالة تشبه حالة موسى عليه السلام حين أمر بغزوة الشام وظهر على الجبابرة الذين كانوا فيها وادخل بني إسرائيل البلد الذي خرجوا منه بعد إهلاك عدوهم وكذلك غزا رسول الله صلى الله عليه وسلّم تبوك من أرض الشام وظهر على صاحب دومة الجندل حتى صالحه على الجزية بعد أن أتى به أسيرًا وافتتح مكة ودخل أصحابه البلد الذي خرجوا منه «ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل قيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: أوقد بعث إليه قال: نعم ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام قال: هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح».
قال الإمام التوربشتي أمر النبي عليه السلام بالتسليم على الأنبياء وإن كان أفضل لأنه كان عابرًا عليهم وكان في حكم القائم وهم في حكم القعود والقائم يسلم على القاعد والمرئى كان أرواح الأنبياء مشكلة بصورهم التي كانوا عليها إلا عيسى فإنه مرئى بشخصه قال عليه السلام: «وإذا إبراهيم رجل أشمط جالس عند باب الجنة» أي في جهتها وإلا فالجنة فوق السماء السابعة «على كرسي مسندًا ظهره إلى البيت المعمور» وهو من عقيق محاذ للكعبة بحيث لو سقط سقط عليها «يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون الأنفاس الإنسانية يدخلون من الباب الواحد ويخرجون من الباب الآخر» فالدخول من باب مطالع الكواكب والخروج من باب مغاربها قال عليه السلام: «وإذا أنا بأمتي شطرين شطر عليهم ثياب بيض كأنها القراطيس وشطر عليهم ثياب رمدة فدخلت البيت المعمور ودخل معي الذين عليهم الثياب البيض وحجب الآخرون الذين عليهم الثياب الرمدة فصليت أنا ومن معي في البيت المعمور» أي ركعتين والظاهر أنه ليس المراد بالشطر النصف حتى يكون العصاة من أمته بقدر الطائعين منهم.
يقول الفقير المراد بالشطرين الفرقتان والفرقة التي عليهم ثياب بيض طائفة بالنسبة إلى الذين عليهم ثياب رمدة لأن الحكمة الإلهية اقتضت كون أهل العصيان والنفس أكثر من أهل الطاعة والتزكية إذ المقصود ظهور الإنسان الكامل وهو حاصل مع أن الواحد على الحق هو السواد الأعظم فيكون أهل الطاعة كالشطر بالنسبة إلى أهل العصيان نسأل الله تعالى أن يدخلنا بيت القلب مع الداخلين ويزيل أوساخ وجوداتنا بحرمة النبي الأمين.
قال السهيلي قد ثبت في الصحيح أن أطفال المؤمنين والكافرين في كفالة سيدنا إبراهيم عليه السلام وأن رسول الله قال لجبريل حين رآهم مع إبراهيم: «من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أولاد المؤمنين الذين يموتون صغارًا قال له: وأولاد الكافرين قال: وأولاد الكافرين».
وقد روي في أطفال الكافرين أيضًا «أنهم خدم لأهل الجنة».
وجاء أن إبراهيم عليه السلام قال لرسول الله: «اقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأن غراسها سبحان الله والحمد ولا إله إلا الله والله أكبر».
قال عليه السلام: «واستقبلتني جارية لعساء وقد أعجبتني فقلت لها: يا جارية أنت لمن؟ قالت: لزيد بن حارثة» واللعس لون الشفة إذا كان تضرب إلى السواد قليلًا وذلك مستملح.
يقول الفقير زيد هذا هو الذي تبناه رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكانت زينب تحت نكاحه فطلقها ليتزوجها رسول الله فلما آثر النبي عليه السلام بها أبدل الله مكانها زوجًا له من الحور مليحة جدًا وجازاه بها فإن لكل فناء وترك مشروع أثرًا معنويًا فما انتقص شيء في الظاهر إلا وقد انتقل في الباطن والآخرة باطن بالنسبة إلى الدنيا فمن ترك حظه فيها وجده في الآخرة أعلى منه وأوفر.
ورأى عليه السلام في السماء السابعة فوجًا من الملائكة نصف أبدانهم من النار ونصفها من الثلج فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفىء النار وهم يقولون: اللهم كما ألفت بين النار والثلج فألف بين قلوب عبادك المؤمنين حمله بعض الأكابر على معنى أن نصف أجزائه ثلج ونصف أجزائه نار فامتزجا وحصل بينهما مزاج واحد والظاهر أن الأول أدل على القدرة فإن اجتماع الأضداد بالمعنى الذي ذكره موجود في أكثر المركبات.
قال في المناسبات: ثم لقاؤه في السماء السابعة إبراهيم عليه السلام لحكمتين إحداهما أنه رآه عند البيت المعمور مسندًا ظهره إليه والبيت المعمور حيال الكعبة أي بازائها ومقابلتها وإليه تحج الملائكة كما أن إبراهيم هو الذي بنى الكعبة وأذن في الناس بالحج والحكمة الثانية أن آخر أحوال النبي عليه السلام حجه إلى البيت الحرام وحج معه ذلك العام نحو من سبعين ألفًا من المسلمين ورؤية إبراهيم عند أهل التأويل توذن بالحج لأنه الداعي إليه والرافع لقواعد الكعبة المحجوجة قال صلى الله عليه وسلم: «ثم ذهب بي» أي جبريل «إلى سدرة المنتهى» وهي شجرة فوق السماء السابعة في أقصى الجنة إليها ينتهي الملائكة بأعمال أهل الأرض من السعداء وإليها تنزل الأحكام العرشية والأنوار الرحمانية «وإذا أوراقها كآذان الفيلة» جمع الفيل أي في الشكل وهو الاستدارة لا في السعة إذ الواحدة منها تظل الخلق كما في بعض الروايات «وثمرها كالقلال» جمع قلة وهي الجرة العظيمة وهذه الشجرة هي الحد البرزخي بين الدارين فأغصانها نعيم لأهل الجنة وأصولها زقوم لأهل النار ولافنانها حنين بأنواع التسبيحات والتحميدات والترجيعات عجيبة الألحان تطرب لها الأرواح وتظهر عليها الأحوال وأم فيها رسول الله ملائكة السموات في الوتر فكان إمام الأنبياء في بيت المقدس وإمام الملائكة عند سدرة المنتهى فظهر بذلك فضله على أهل الأرض والسماء ويخرج من أصل تلك الشجرة أربعة أنهار نهران باطنان أي يبطنان ويغيبان في الجنة بعد خروجهما من أصل تلك الشجرة وهما الكوثر ونهر الرحمة ونهران ظاهران أي يستمران ظاهرين بعد خروجهما من أصل تلك الشجرة فيجاوزان الجنة وهما النيل نهر مصر والفرات نهر الكوفة.
قال بعضهم لولا دخول بحر النيل في الملح الذي يقال له البحر الأخضر قبل أن يصل إلى بحيرة الزنج لما قدر أحد على شربه لشدة حلاوته ومر الفرات في بعض السنين فوجد فيه رمان مثل البعير فيقال أنه رمان الجنة.
يقول الفقير لعله من البساتين التي يقال لها جنان الأرض إذ سقوط الثمار من أماكنها من الفساد غالبًا وليس لثمار الجنة ذلك اللهم إلا أن يقال وجود ذلك الرمان في الفرات على تقدير أن يكون من رمان الجنة إنما هو ليكون آية لذوي الاستبصار ودخل عليه السلام الجنة فإذا فيها جنابذ أي قباب الدرّ وإذا ترابها المسك ورمانها كالدلاء وطيرها كالبخت وانتهى إلى الكوثر فإذا فيه آنية الذهب والفضة فشرب منه فإذا هو أحلى من العسل وأشد رائحة من المسك وفي الحديث: «ما في الدنيا ثمرة حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة حتى الحنظل والذي نفس محمد بيده لا يقطف رجل ثمرة من الجنة فتصل إلى فيه حتى يبدل الله مكانها خيرًا منها» وهذا القسم يرشد إلى أن ثمرة الجنة كلها حلوة تؤكل وأنها تكون على صورة ثمرة الدنيا المرة وغشى السدرة ما غشى من نور الحضرة الإلهية فصار لها من الحسن غير تلك الحالة التي كانت عليها فما أحد من خلق يستطيع أن ينعتها من حسنها لأن رؤية الحسن تدهش الرائي ورأى عليه السلام جبرائيل عند تلك السدرة على الصورة التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح كل جناح منها قد سد الأفق أي ما بين المشرق والمغرب يتناثر من أجنحته الدر والياقوت.
ويروى أن جبريل لما وصل إلى السدرة التي هي مقامه تأخر فلم يتجاوز فقال عليه السلام: «أفي مثل هذا المقام يترك الخليل خليله» فقال: لو تجاوزت لأحرقت بالنور.
وفي رواية لو دنوت أنملة لأحرقت، فقال عليه السلام: «يا جبريل هل لك من حاجة إلى ربك قال: يا محمد سل الله لي أن أبسط جناحي على الصراط لأمتك حتى يجوزوا عليه» قال عليه السلام: «ثم زج بي في النور فخرق بي سبعون ألف حجاب ليس فيها حجاب يشبه حجابًا غلظ كل حجاب خمسمائة عام وانقطع عني حس كل ملك فلحقني عند ذلك استيحاش فعند ذلك نادى مناد بلغة أبي بكر قف فإن ربك يصلي» أي يقول سبحاني سبحاني سبقت رحمتي على غضبي وجاء نداء من العلى الأعلى «ادن يا خير البرية ادن يا أحمد ادن يا محمد فادناني ربي حتى كنت كما قال ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى».
وروي أنه عليه السلام عرج من السماء السابعة إلى السدرة على جناح جبريل ثم منها على الرفرف وهو بساط عظيم.
قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني هو نظير المحفة عندنا ونادى جبريل من خلفه يا محمد إن الله يثني عليك فاسمع وأطع ولا يهولنك كلامه فبدأ عليه السلام بالثناء وهو قوله: «التحيات والصلوات والطيبات» أي العبادات القولية والبدنية والمالية فقال تعالى: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فعمم عليه السلام سلام الحق فقال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقال جبريل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله» وتابعه جميع الملائكة.
قال بعض الكبار اخترق الأفلاك من غير أن تسكن عن تحريكها كاختراق الماء والهواء إلى أن وصل سدرة المنتهى فقعد على الرفرف فاخترق عوالم الأنوار إلى أن جاز موضع القدمين إلى العرش أي المستوى المفهوم من قوله: {الرحمن على العرش استوى} كل ذلك بجسمه فعاين محل الاستواء فلما فارق عالم التركيب والتدبير لم يبق له أنيس من جنسه فاستوحش من حيث مركبه فنودي بصوت أبي بكر: «قف يا محمد إن ربك يصلي» فسكن وتلا عليه عند ذلك: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور} هذا لسان الأحباب وخطاب الأخلاء والأصحاب وهذا أول الأبواب المعنوية من هنا تقع في بحر الإشارات والمعاني وهو الإسراء البسيط فتقع المشاهدة بالبصر لا بالجارحة لأعيان الأرواح المهيمة التي لا مدخل لها في عالم الأجسام فترك الرفرف ومشاهدة الجسم وانسلخ من الرسم والاسم وسافر برفرف همته فحطت العين بساحل بحر العمى حيث لا حيث ولا أين فأدركت ما أدركت من خلف حجاب العزة الاحمى الذي لا يرتفع أبدًا ثم عادت بلا مسافة إلى شهود عنها ثم إلى تركيب كونها المتروك بالمستوى مع الرفرف فقوله: {ثم دنا} إشارة إلى العروج والوصول وقوله: {فتدلى} إلى النزول والرجوع وقوله: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ} بمنزلة النتيجة إشارة إلى الوصول إلى مرتبة الذات الواحدية أي عالم الصفات المشار إليه بقوله تعالى: {اللَّهُ الصَّمَدُ} وقوله تعالى: {أَوْ أَدْنَى} إشارة إلى مرتبة الذات الأحدية أي عالم الذات المشار إليه بقوله تعالى: {اللَّهُ أَحَدٌ} وكان المعراج في صورة الصعود والهبوط لأنه وقع بالجسم والروح معًا وإلا فالملك والملكوت مندرج في الوجود الإنساني وكل تجل يحصل له إنما هو من الداخل لا من الخارج قال صلى الله عليه وسلم: «سألني ربي فلم أستطع أن أجيبه فوضع يده بين كتفيّ بلا تكييف ولا تحديد» أي يد قدرته سبحانه منزه عن الجارحة «فوجدت بردها فأورثني علم الأولين والآخرين وعلمني علومًا شتى فعلم أخذ علي كتمانه إذ علم أنه لا يقدر على حمله غيري وعلم خيرني فيه وعلم أمرني بتبليغه إلى العام والخاص من أمتي» وهي الإنس والجن وهذا التفصيل يدل على أن العلوم الشتى هذه العلوم الثلاثة كما يدل عليه الفاء وهي زائدة على علوم الأولين والآخرين فالعلم الأول من باب الحقيقة الصرفة والثاني من باب المعرفة والثالث من باب الشريعة.
ومن جملة ما أوحى في هذا الموطن من القرآن خواتيم سورة البقرة وبعض سورة والضحى وبعض الم نشرح لك وقوله تعالى: {هُوَ الذي يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَمَلَائكَتُه لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} (الأحزاب: 43) والوحي بلا واسطة يقتضي الخطاب فسمع عليه السلام كلام الحق من غير كيفية كما سمعه موسى عليه السلام من كل جانب ورآه:
قال الإمام النووي الراجح عند أكثر العلماء أنه رأى ربه بعيني رأسه، يقول الفقير: يعني بسره وروحه في صورة الجسم بأن كان كل جزء منه سمعًا واتحد البصر بالبصيرة فهي رؤية بهما معًا من غير تكييف فافهم فإنه جملة ما يتفصل.
فإن قلت: ما الفرق بين الأنبياء وبين نبينا عليه السلام في باب الرؤية فإنهم يرونه ويشاهدونه حال الانسلاخ الكلي.
قلت ما حصل لنبينا عليه السلام فوق الانسلاخ إذ الرؤية في صورة الانسلاخ إنما هي بالبصيرة فقط وأما رؤيته تعالى في الجنة فقيل لا يراه الملائكة وقيل يراه منهم جبريل خاصة مرة واحدة.
قال بعضهم وقياس عدم رؤية الملائكة عدم رؤية الجن له تعالى ورد ذلك.
يقول الفقير: لعل وجه الاختلاف عند الحقيقة أن الملائكة والجن على جناح واحد وهو الجمال والإنس على جناحين وهما الجمال والجلال المقول لهما الكمال فلا يرونه تعالى من مرتبة مؤمني الإنس وإنما يشاهدونه تعالى من مرتبة أنفسهم فافهم وأما أنه ليس لهم مشاهدة أصلًا فلا مساعدة له بوجه من الوجوه واتفق العلماء على جواز رؤية الله تعالى في المنام وصحتها أي وقوعها لأن ذلك المرئى أنما هو صفة من صفات الله تعالى.
روي عن أبي يزيد البسطامي قدس سره أنه قال: رأيت ربي في المنام فقلت له: كيف الطريق إليك؟ فقال: اترك نفسك ثم تعال.
وروي أن حمزة القارئ قرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره في المنام حتى إذا بلغ إلى قوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} (الأنعام: 18) قال الله تعالى: قل يا حمزة وأنت القاهر.
يقول الفقير: سمعت من شيخي وسندي قدس سره أن شيخه عبد الله الشهير بذاكر زاده روح الله روحه أراد أن يستخلفه فامتنع عليه فرأى في تلك الليلة في المنام أن الله تعالى أعطاه المصحف وقال له خذ هذا وادع عبادي إليّ وكان من آثار هذا المنام أن الله تعالى وفقه لإحياء العلم والدعوة إلى الله في المراتب الأربع وزاد خلفاؤه على المائة والخمسين كلهم من أهل التفسير ولم يتيسر هذا المقام لغيره من مشايخ العصر قال عليه السلام: «فرض الله عليّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة» قيل: كانت كل صلاة منها ركعتين ألا يرى أنه من قالعليّ صلاة يلزمه ركعتان ويخالفه ما قالوا: إنه عليه السلام كان يصلي كل يوم وليلة ما يبلغ إلى خمسين صلاة وفق ما فرض ليلة المعراج فالظاهر أن هذه الخمسين باعتبار الركعتان لأنه هو المضبوط عنه عليه السلام يعني كان يصلي في اليوم والليلة من الفرائض والنوافل خمسين ركعة وصرح بعضهم بأن المراد الخمسون وقتًا فالظاهر أن كل وقت كان مشتملًا على ركعتين لأن الصلاة في الأصل كانت ركعتين ركعتين ثم زيدت في الحضر وأقرت في السفر قال عليه السلام: «فنزلت إلى إبراهيم فلم يقل شيئًا ثم أتيت موسى» أي في الفلك السادس «فقال ما فرض ربك على أمتك قلت خمسين صلاة قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك وإني والله قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة» يعني مارستهم ولقيت الشدة فيما أردت فيهم من الطاعة قال عليه السلام: «فرجعت إلى ربي» يعني رجعت إلى الموضع الذي ناجيت ربي فيه وهو سدرة المنتهى «فخررت ساجدًا فقلت: أي ربي خفف عن أمتي فحط عني خمسًا فرجعت إلى موسى وأخبرته قال: إن أمتك لا تطيق ذلك قال: فلم أزل أرجع بين ربي وموسى ويحط خمسًا خمسًا حتى قال موسى: بم أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم قال: ارجع فاسأله التخفيف فقلت: قد راجعت ربي حتى استحييت ولكن أرضى وأسلم» يعني: فلا أرجع فإن رجعت كنت غير راض ولا مسلم ولكن أرضى بما قضي الله وأسلم أمري وأمرهم إلى الله «فلما جاوزت نادى منادٍ أمضيت فريضتي» يعني قال الله تعالى: يا محمد هي خمس صلوات في كل يوم وليلة بكل صلاة عشر فتلك خمسون صلاة كما قال: {مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَه عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (الأنعام: 160) والصلاة إنما تحصل بتوجه القلب والعمل الواحد في مرتبة القلب يقابل العشرة وقال: «من همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرًا ومن همّ بسيئة فلم يعملها لم يكتب شيء فإن عملها كتبت سيئة واحدة».